فصل: (النبأ: الآيات 37- 39)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[النبأ: الآيات 31- 36]

{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (31) حَدائِقَ وَأَعْناباً (32) وَكَواعِبَ أَتْراباً (33) وَكَأْساً دِهاقاً (34) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (36)}.
{مَفازاً} فوزا وظفرا بالبغية. أو موضع فوز.
وقيل: نجاة مما فيه أولئك. أو موضع نجاة. وفسر المفاز بما بعده. والحدائق: البساتين فيها أنواع الشجر المثمر. والأعناب: الكروم. والكواعب: اللاتي فلكت ثدييهن، وهن النواهد. والأتراب. اللدات. والدهاق: المترعة. وأدهق الحوض: ملأه حتى قال قطني. وقرئ: {ولا كذابا}، بالتشديد والتخفيف، أى: لا يكذب بعضهم بعضا. ولا يكذبه. أولا يكاذبه.
وعن علي رضى اللّه عنه أنه قرأ بتخفيف الاثنين {جَزاءً} مصدر مؤكد منصوب بمعنى قوله: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً} كأنه قال: جازى المتقين بمفاز. و{عَطاءً} نصب بـ: {جزاء} نصب المفعول به. أى: جزاهم عطاء.
و{حِساباً} صفة بمعنى: كافيا. من أحسبه الشيء إذا كفاه حتى قال حسبي. وقيل. على حسب أعمالهم. وقرأ ابن قطيب: {حسابا}، بالتشديد، على أنّ الحساب بمعنى المحسب، كالدرّاك بمعنى المدرك.

.[النبأ: الآيات 37- 39]

{رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (37) يوم يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقال صَواباً (38) ذلِكَ الْيوم الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (39)}.
قرئ: {رب السماوات}. و{الرحمن} بالرفع، على: هو رب السماوات الرحمن. أو {رب السماوات} مبتدأ، و{الرحمن} صفة، و{لا يملكون}: خبر. أو هما خبران. وبالجر على البدل من {ربك}، وبجر الأوّل ورفع الثاني على أنه مبتدأ خبره {لا يَمْلِكُونَ}. أو هو الرحمن لا يملكون.
والضمير في {لا يَمْلِكُونَ} لأهل السماوات والأرض، أى: ليس في أيديهم مما يخاطب به اللّه ويأمر به في أمر الثواب والعقاب خطاب واحد يتصرفون فيه تصرف الملاك، فيزيدون فيه أو ينقصون منه. أو لا يملكون أن يخاطبوه بشيء من نقص العذاب أو زيادة في الثواب، إلا أن يهب لهم ذلك ويأذن لهم فيه. و{يوم يَقُومُ} متعلق بـ: {لا يملكون}، أو بـ: {لا يتكلمون}.
والمعنى: إنّ الذين هم أفضل الخلائق وأشرفهم وأكثرهم طاعة وأقربهم منه وهم الروح والملائكة لا يملكون التكلم بين يديه، فما ظنك بمن عداهم من أهل السماوات والأرض؟
والروح: أعظم خلقا من الملائكة وأشرف منهم وأقرب من رب العالمين.
وقيل: هو ملك عظيم ما خلق اللّه بعد العرض خلقا أعظم منه.
وقيل: ليسوا بالملائكة، وهم يأكلون.
وقيل: جبريل. هما شريطتان: أن يكون المتكلم مأذونا له في الكلام. وأن يتكلم بالصواب فلا يشفع لغير مرتضى، لقوله تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى}.

.[النبأ: آية 40]

{إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يوم يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقول الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (40)}.
{المَرْءُ} هو الكافر لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً}.
والكافر: ظاهر وضع موضع الضمير لزيادة الذم، ويعنى {ما قَدَّمَتْ يَداهُ} من الشر، كقوله: {وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ}، {وَنُذِيقُهُ يوم الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ}، {بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} و(ما) يجوز أن تكون استفهامية منصوبة بـ: {قدّمت}، أى ينظر أى شيء قدّمت يداه، وموصولة منصوبة بـ: {ينظر}، يقال: نظرته بمعنى نظرت إليه، والراجع من الصلة محذوف، وقيل: المرء عام، وخصص منه الكافر.
وعن قتادة: هو المؤمن {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً} في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف. أو ليتني كنت ترابا في هذا اليوم فلم أبعث. وقيل يحشر اللّه الحيوان غير المكلف حتى يقتص للجماء من القرناء، ثم يردّه ترابا، فيودّ الكافر حاله.
وقيل: الكافر إبليس، يرى آدم وولده وثوابهم، فيتمنى أن يكون الشيء الذي احتقره حين قال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة عم يتساءلون سقاه اللّه برد الشراب يوم القيامة». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {عَمَّ يتساءَلونَ عن النبإ العَظيمِ} يعني عن أي شيء يتساءل المشركون؟ لأن قريشاً حيث بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت تجادل وتَختصم في الذي دعا إليه.
وفي {النبأ العظيم} أربعة أقاويل:
أحدها: القرآن، قاله مجاهد.
الثاني: يوم القيامة، قاله ابن زيد.
الثالث: البعث بعد الموت، قاله قتادة.
الرابع: عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
{الذي هُمْ فيه مُختَلِفَونَ} هو البعث، فأما الموت فلم يختلفوا فيه، وفيه قولان:
أحدهما: أنه اختلف فيه المشركون من بين مصدق منهم ومكذب، قاله قتادة.
الثاني: اختلف فيه المسلمون والمشركون، فصدّق به المسلمون وكذّب به المشركون، قاله يحيى بن سلام.
{كَلاَّ سيعْلَمون ثم كلا سيعلمون} فيه قولان:
أحدهما: أنه وعيد بعد وعيد للكفار، قاله الحسن، فالأول: كلا سيعلمون ما ينالهم من العذاب في القيامة، والثاني: كلا سيعلمون ما ينالهم من العذاب في جهنم.
القول الثاني: أن الأول للكفار فيما ينالهم من العذاب في النار، والثاني للمؤمنين فيما ينالهم من الثواب في الجنة، قاله الضحاك.
{وجَعَلْنا نَوْمَكم سُباتاً} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: نعاساً، قاله السدي.
الثاني: سكناً، قاله قتادة.
الثالث: راحة ودعة، ولذلك سمي يوم السبت سبتاً لأنه يوم راحة ودعة، قال أبو جعفر الطبري: يقال سبت الرجل إذا استراح.
الرابع: سُباتا أي قطعاً لأعمالهم، لأن أصل السبات القطع ومنه قولهم سبت الرجل شعره إذا قطعه، قال الأنباري: وسمي يوم السبت لأنقطاع الأعمال فيه.
ويحتمل خامساً: أن السبات ما قرت فيه الحواس حتى لم تدرك بها الحس.
{وجَعَلْنا اللّيلَ لِباساً} فيه وجهان:
أحدهما: سكناً، قاله سعيد بن جبير والسدي.
الثاني: غطاء، لأنه يغطي سواده كما يغطى الثوب لابسه، قاله أبو جعفر الطبري.
{وجَعَلنا النهارَ مَعاشاً} يعني وقت اكتساب، وهو معاش لأنه يعاش فيه.
ويحتمل ثانياً: أنه زمان العيش واللذة.
{وجَعَلْنا سِراجاً وَهّاجاً} يعني بالسراج الشمس، وفي الوهّاج أربعة أقاويل:
أحدها: المنير، قاله ابن عباس.
الثاني: المتلألئ، قاله مجاهد.
الثالث: أنه من وهج الحر، قاله الحسن.
الرابع: أنه الوقّاد، الذي يجمع بين الضياء والجمال.
{وأَنْزَلْنا من المُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ان {المعصرات} الرياح، قاله ابن عباس وعكرمة، قال زيد بن أسلم هي الجنوب.
الثاني: أنها السحاب، قاله سفيان والربيع.
الثالث: أن {المعصرات} السماء، قاله الحسن وقتادة.
وفي الثجاج قولان:
أحدهما: الكثير قاله ابن زيد.
الثاني: المنصب، قاله ابن عباس، وقال عبيد بن الأبرص:
فثجّ أعلاه ثم ارتج أسفلُه ** وضاق ذَرْعاً بحمل الماء مُنْصاحِ

{لنُخرج به حبًّا ونَباتاً} فيه قولان:
أحدهما: ان الحب ما كان في كمام الزرع الذي يحصد، والنبات: الكلأ الذي يرعى، وهذا معنى قول الضحاك.
الثاني: أن الحب اللؤلؤ، والنبات: العشب، قال عكرمة: ما أنزل الله من السماء قطرة إلا أنبتت في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة.
ويحتمل ثالثاً: أن الحب ما بذره الآدميّون، والنبات ما لم يبذروه.
{وجنّاتٍ أَلْفافاً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها الزرع المجتمع بعضه إلى جنب بعض، قاله عكرمة.
الثاني: أنه الشجرالملتف بالثمر، قاله السدي.
الثالث: أنها ذات الألوان، قاله الكلبي.
ويحتمل رابعاً: أنها التي يلف الزرع أرضها والشجر أعاليها، فيجتمع فيها الزرع والشجر ملتفات.
{إنّ يوم الفصلِ} يعني يوم القيامة، سمي بذلك لأنه يفصل فيه الحكم بين الأولين والآخرين والمثابين والمعاقبين.
{كانَ مِيقاتاً} فيه وجهان:
أحدهما: ميعاداً للإجتماع.
والثاني: وقتاً للثواب والعقاب.
{وسُيِّرتِ الجبالُ فكانتْ سَراباً} فيه وجهان:
أحدهما: سُيّرت أي أزيلت عن مواضعها.
الثاني: نسفت من أصولها.
{فكانت سراباً} فيه وجهان:
أحدهما: فكانت هباءً.
الثاني: كالسراب لا يحصل منه شيء كالذي يرى السراب يظنه ماء وليس بماء.
{إنّ جهنّمَ كانت مِرْصاداً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني أنها راصدة فجازتهم بأعمالهم، قاله أبو سنان.
الثاني: أن على النار رصداً، لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز عليه، فمن جاء بجواز جاز، ومن لم يجئ بجواز لم يجز، قاله الحسن.
الثالث: أن المرصاد وعيد أوعد الله به الكفار، قاله قتادة.
{للطّاغينَ مَآباً} فيه قولان:
أحدهما: مرجعاً ومنقلباً، قاله السدي.
الثاني: مأولى ومنزلاً، قاله قتادة.
والمراد بالطاغين من طغى في دينه بالكفر أو في دنياه بالظلم.
{لابِثينَ فيها أَحْقاباً} يعني كلما مضى حقب جاء حقب وكذلك إلى الأبد واختلفوا في مدة الحقب على سبعة أقاويل:
أحدها: ثمانون سنة، قاله أبو هريرة.
الثاني: أربعون سنة، قاله ابن عمر.
الثالث: سبعون سنة، قاله السدي.
الرابع: «أنه ألف شهر»، رواه أبو أمامة مرفوعاً.
الخامس: ثلاثمائة سنة، قاله بشير بن كعب.
السادس: سبعون ألف سنة، قاله الحسن.
السابع: أنه دهر طويل غير محدود، قاله قطرب.
وفي تعليق لبثهم بالأحقاب قولان:
أحدهما: أنه على وجه التكثير، كلما مضت أحقاب جاءَت بعدها أحقاب، وليس ذلك بحد لخلودهم في النار.
الثاني: أن ذلك حد لعذابهم بالحميم والغسّاق، فإذا انقضت الأحقاب عذبوا بغير ذلك من العذاب.
{لا يَذُوقونَ فيها بَرداً ولا شَراباً} في البرد ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه برد الماء، وبرد الهواء، وهو قول كثير من المفسرين.
الثاني: أنه الراحة، قاله قتادة.
الثالث: أنه النوم، قاله مجاهد والسدي وأبو عبيدة.
وأنشد قول الكندي:
بَرَدَتْ مَراشِفُها على فَصَدَّني ** عنها وعن تَقْبيلِها البَرْدُ

يعني النوم.
والشراب ها هنا: العذاب.
ويحتمل أن يريد بالشراب الري، لأن الشراب يروي وهم فيها عطاش أبداً.
{إلاّ حَميماً وغَسّاقاً} أما الحميم ففيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه الحارّ الذي يحرق، قاله ابن عباس.
الثاني: دموع أعينهم في النار تجتمع في حياض في النار فيُسقونْه، قاله ابن زيد.
الثالث: أنه نوع من الشراب لأهل النار، قاله السدي. وأما الغسّاق ففيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه القيح الغليظ، قاله ابن عمر.
الثاني: أنه الزمهرير البارد الذي يحرق من برده، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه صديد أهل النار، قاله قتادة.
الرابع: أنه المنتن باللغة الطحاوية، قاله ابن زيد.
{جزاءً وِفاقاً} وهو جمع وفق، قال أهل التأويل: وافق سوءُ الجزاء سوءَ العمل.
{إنهم كانوا لا يَرْجُونَ حِساباً} فيه وجهان:
أحدهما: لا يرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً، قاله ابن عباس.
الثاني: لا يخافون وعيد الله بحسابهم ومجازاتهم، وهذا معنى قول قتادة.
{وكذّبوا بآياتِنا كِذّاباً} يعني بآيات القرآن، وفي {كِذّاباً} وجهان:
أحدهما: أنه الكذب الكثير.
الثاني: تكذيب بعضهم لبعض، ومنه قول الشاعر:
فَصَدَقْتُها وَكَذَبْتُها ** والمرءُ يَنْفعُهُ كِذابُهْ

وهي لغة يمانية.
{إنّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} فيه وجهان:
أحدهما: نجاة من شرها، قاله ابن عباس.
الثاني: فازوا بأن نجوا من النار بالجنة، ومن العذاب بالرحمة، قاله قتادة، وتحقيق هذا التأويل أنه الخلاص من الهلاك، ولذلك قيل للفلاة إذا قل ماؤها مفازة تفاؤلاً بالخلاص منها.
{وكَواعِبَ أَتْراباً} في الكواعب قولان:
أحدهما: النواهد، قاله ابن عباس.
الثاني: العذارى، قاله الضحاك، ومنه قول قيس بن عاصم:
وكم مِن حَصانٍ قد حَويْنا كريمةٍ ** ومِن كاعبٍ لم تَدْرِ ما البؤسُ مُعْصر

وفي الاتراب أربعة أقاويل:
أحدها: الأقران، قاله ابن عباس.
الثاني: الأمثال، قاله مجاهد.
الثالث: المتصافيات، قاله عكرمة.
الرابع: المتآخيات، قاله السدي.
{وكأساً دِهاقاً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: مملوءة، قاله ابن عباس، ومنه قول الشاعر:
أتانا عامرٌ يَبْغي قرانا ** فأَتْرَعنا له كأساً دِهاقاً

الثاني: متتابعة يتبع بعضها بعضاً، قاله عكرمة.
الثالث: صافية، رواه عمر بن عطاء، قال الشاعر:
لأنْتِ آلى الفؤادِ أَحَبُّ قُرْباً ** مِن الصّادي إلى كأسٍ دِهَاقِ.

{لا يَسْمعونَ فيها لَغْواً ولا كِذّاباً} في اللغو ها هنا أربعة أقاويل:
أحدها الباطل، قاله ابن عباس.
الثاني: الحلف عند شربها، قاله السدي.
الثالث: الشتم، قاله مجاهد.
الرابع: المعصية، قاله الحسن.
وفي {كِذّاباً} ثلاثة أقاويل:
أحدهاك لا يكذب بعضهم بعضاً، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: أنه الخصومة، قاله الحسن.
الثالث: أنه المأثم، قاله قتادة.
وفي قوله: {لا يَسْمَعونَ فيها} وجهان:
أحدهما: في الجنة، قاله مجاهد.
الثاني: في شرب الخمر، قاله يحيى بن سلام.
{جزاءً من ربكَ عَطاءً حِساباً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: كافياً، قاله الكلبي.
الثاني: كثيراً، قاله قتادة.
الثالث: حساباً لما عملوا، فالحساب بمعنى العد.
{يوم يقومُ والرُّوحُ الملائكةُ صَفّاً} في الروح ها هنا ثمانية أقاويل:
أحدها: الروح خلق من خلق الله كهيئة الناس وليسوا أناساً، وهم جند للَّه سبحانه، قاله أبو صالح.
الثاني: أنهم أشرف الملائكة، قاله مقاتل بن حيان.
الثالث: أنهم حفظة على الملائكة، قاله ابن أبي نجيح.
الثالث: أنهم حفظة على الملائكة خلقاً، قاله ابن عباس.
الرابع: أنه ملك من أعظم الملائكة خلقاً، قاله ابن عباس.
الخامس: هو جبريل عليه السلام، قاله سعيد بن جبير.
السادس: أنهم بنو آدم، قاله قتادة.
السابع: أنهم بنو آدم، قاله قتادة.
الثامن: أنه القرآن، قاله زيد بن أسلم.
{لا يتكلمونَ إلا مَنْ أَذِنَ له الرحمنُ} فيه قولان:
أحدهما: لا يشفعون إلا من أذن له الرحمن في الشفاعة، قاله الحسن.
الثاني: لا يتكلمون في شيء إلا من أذن له الرحمن شهادة أن لا إله إلا الله، قاله ابن عباس.
{وقال صَواباً} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني حقاً، قاله الضحاك.
الثاني: قول لا إله إلا الله، قاله أبو صالح.
الثالث: أن الروح يقول يوم القيامة: لا تُدخل الجنة إلا بالرحمة، ولا النار إلا بالعمل، فهو معنى قوله: {وقال صواباًَ} قاله الحسن.
ويحتمل رابعاً: أنه سؤال الطالب وجواب المطلوب، لأن كلام الخلق في القيامة مقصور على السؤال والجواب.
{ذلك اليوم الحقُّ} يعني يوم القيامة، وفي تسميته الحق وجهان:
أحدهما: لأن مجئيه حق وقد كانوا على شك.
الثاني: أنّ الله تعالى يحكم فيه بالحق بالثواب والعقاب.
{فمن شاءَ اتّخَذ إلى ربِّه مآباً} فيه وجهان:
أحدهما: سبيلاً، قاله قتادة.
الثاني: مرجعاً، قاله ابن عيسى.
ويحتمل ثالثاً: اتخذ ثواباً لاستحقاقه بالعمل لأن المرجع يستحق على المؤمن والكافر.
{إنّا أنذْرْناكم عَذاباَ قريباً} فيه وجهان:
أحدهما: عقوبة الدنيا، لأنه أقرب العذابين، قاله قتادة، وقاله مقاتل: هو قتل قريش ببدر.
الثاني: عذاب يوم القيامة، لأنه آت وكل آت قريب، وهو معنى قول الكلبي.
{يوم ينظُرُ المْرءُ ما قدَّمَتْ يَداهُ} يعني يوم ينظر المرء ما قدّم من عمل خير، قال الحسن: قدَّم فقَدِم على ما قَدَّم. ويحتمل أن يكون عامّاً في نظر المؤمن إلى ما قدّم من خير، ونظر الكافر إلى ما قدّم من شر.
{ويقول الكافرُ يا لَيْتني كنتُ تُراباً} قال مجاهد يبعث الحيوان فيقاد للمنقورة من الناقرة، وللمركوضة من الراكضة، وللمنطوحة من الناطحة، ثم يقول الرب تعالى: كونوا تراباً بلا جنة ولا نار، فيقول الكافر حينئذ: يا ليتني كنت تراباً وفي قوله ذلك وجهان:
أحدهما: يا ليتني صرت اليوم مثلها تراباً بلا جنة ولا نار، قاله مجاهد. الثاني: يا ليتني كنت مثل هذا الحيوان في الدنيا وأكون اليوم تراباً، قاله أبو هريرة: وهذه من الأماني الكاذبة كما قال الشاعر:
ألا يا ليتني والمْرءُ مَيْتُ ** وما يُغْني من الحدثانِ لَيْت

قال مقاتل: نزل قوله تعالى: {يوم ينظر المرء ما قدّمت يداهُ} في أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، ونزل قوله تعالى: {ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً} في أخيه الأسود بن عبد الأسد. اهـ.